إعادة النظر في هيكلية سوق الأسهم وفق ضوابط الاقتصاد الإسلامي
(1/1/2009)
الواقع أننا لا نقصد هنا في هذا المقال نفي كل صفة إيجابية في الرأسمالية التي فرضت نموذجها على المعمورة كلها تبعا لاستحقاق حضارتها المتفوقة, ولكن نجاحاتها ينبغي ألا تنسينا نواقصها وتطرفها.
فعبقرية الرأسمالية غير مشكوك بها, لكن الرأسماليين الأوائل أمثال هنري فورد وسواه كانوا أفضل بكثير من الرأسماليين المعاصرين.
والرأسماليون الحاليون يضحكون حينما تذكر لهم أرقاما بدائية ولا يؤمنون إلا بالأرقام الفلكية وهنا مكمن الخلل الذي يكمن في الأصولية المادية الفاحشة للرأسمالية, لذلك نجد أن العمولات في أمريكا حققت ما بين عامي 2003 و2007 نحو ألفي مليار دولار.
ولقد توسع الصحابة في مجال المعاملات المالية عندما اتسعت دولتهم وبدا منهجهم واضحا وجليا عندما احتفظوا ببعض القوانين التي كانت سارية في البلدان التي افتتحوها, مع استبعاد الذي لا يوافق الشريعة الإسلامية من قوانين, وكان منهجهم في استنباط الأحكام يكمن في أن فريقا منهم التزم في الحكم بحرفية النص الشرعي من قران وسنة من دون النظر في مقاصده وكان أبرزهم عبد الله بن عمر وأبو هريرة وأبو ذر الغفاري, وفريق آخر أدرك أن لكل حكم شرعه الخالق مقصد وإن الحكم لا يزال صالحا ما دام المقصد الذي قصده المشرع منه, وهذا الفريق يستعمل عقله في معرفة قصد المشرع منه ليكون ذلك مادة ثرية للانطلاق منه إلى غيره عن طريق القياس عليه, ومن هذا الفريق علي بن أبي طالب وعائشة زوج الرسول صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن مسعود وأيضا عبد الله بن عمر في بعض المسائل, أي أنه كان يجمع بين المنهجين لذلك قال سليمان بن يسار سمعت من ابن عباس يقول عجبا لابن عمر ورده الناس ألا ينظر فيما يشك فيه, فإن مضت به سنة بها وإلا قال برأيه.
وجميع هذه المدارس تنبع من مدرسة النبوة وكل منها برع في جانب من الجوانب لذلك نجد الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: خذوا القرآن من أربعة: عبد الله وسالم ومعاذ وأبي بن كعب.
ولا تزال بعض التطبيقات الإسلامية اليوم تخالف التطبيقات المقابلة لها في الرأسمالية الغربية كطبيعة التمويل الإسلامي الذي يقوم على المشاركة في ملكية الأصول جنب المؤسسات المالية التضخم في التقييمات وبالتالي بقاء الأصول ضمن قيمتها, كما أن الدين ينسب إلى الموجودات وليس إلى القيمة السوقية, وإن المعاملات بين البنوك الإسلامية تعتمد على مرابحات السلع كي تؤدي إلى خفض التكلفة القانونية للمتعاملين, وتحقق وفورات كبيرة في التكاليف والموارد, وتعتمد اتفاقية لإعادة الشراء وفقا للمفهوم الشرعي الإسلامي التي يمكن أن توفر السيولة اللازمة عن طريق الأوراق المالية وهي بمثابة بيع مؤقت كي تتجنب الربا, واستعاضت عن سندات القرض الربوي بصكوك الإجارة يمكن أن ينتهي بالتملك.
ولكن الاقتصاد الرأسمالي بعدما أعلن الرئيس السابق ريتشارد نيكسون عام 1971 فك الارتباط بنظام الصرف الثابت ومنذ ذلك الحين بدأ عصر اقتصاد مالي جديد وبعدما كان الاقتصاد المالي خادما للاقتصاد المنتج أصبح العكس إلى أن تضخم الاقتصاد المالي أكبر من 40 مرة من الاقتصاد الحقيقي في السبعينيات, وزادت طباعة الدولار بقرار سياسي ذاتي بين عامي 1950 و1970 بنسبة 55 بالمئة عما كان عليه, وبين عامي 1971 و2000 زاد بنسبة 2000 بالمئة ما نتج عنه تضخم في الاقتصاد المالي حتى إن بنك ليمان براذرز كانت قيمة أصوله 700 مليار دولار, ولكن عند شرائها كانت في حدود 60 مليار دولار.
وتقدر الرهونات العقارية ب¯ 14 تريليون دولار لكن المشتقات كانت أضعاف هذا الرقم حتى إن البعض يقدرها بنحو 665 تريليون دولار حتى وإن كان هذا الرقم مبالغا فيه ولكنه مؤشر على خطورة المشتقات المالية التي تسببت في تضخم الاقتصاد المالي مستفيدة من التدفقات المالية الخارجية التي تقدر بثلاثة مليارات دولار يوميا تأتي من الصين والخليج ودول أخرى من العالم, أي أن اقتصاد الولايات المتحدة أصبح طفيليا يعيش على التدفقات المالية التي تأتي إليه من الخارج في جانب القوة المالية في الداخل بسبب أن الموجودات المالية العالمية زادت من 12 ألف مليار دولار عام 1980 إلى 200 ألف مليار دولار عام ,2007 الأمر الذي يفوق كثيرا نمو الناتج المحلي الإجمالي أو توسع التجارة, كما وتبلغ قيمة أسواق الأسهم 149 تريليون دولار قبل حدوث الأزمة الحالية وهي ثلاثة أضعاف الناتج العالمي البالغ 49 تريليون دولار.
وقد باعت شركة المجموعة الدولية الأمريكية للتأمين AIG من مبادلات العجز الائتماني وبوالص التامين خارج الولايات المتحدة أكثر مما باعت داخلها, بينما كانت عمليات الصيرفة الإسلامية تركز بقوة على الأصول الأولية وليس فقط على تداول المال لقاء التنازل عن التدفق النقدي لأنه ينبغي على النظام المالي وفق الشريعة الإسلامية الانخراط في تمويل النشاطات الاقتصادية الحقيقية التي ينتج عنها سلع وعوائد حقيقية, لذا يسمح التوريق وفق الشريعة الإسلامية للأوراق المالية المستخدمة أن تكون مستقلة بذاتها أو أن تكون منافسات مركبة للأصول الأولية وما تنتجه من عوائد لأن التوريق حسب الشريعة الإسلامية يمنع أن يتحول التوريق إلى مجرد عملية متاجرة بالديون التي تدعى الابتكار المالي.
وفي قراءة سريعة لأسواق الأسهم في المنطقة النموذج المستورد من الرأسمالية الغربية وتطبيقه من دون النظر في مدى موافقته لأحكام وضوابط الشريعة الإسلامية بسبب التبعية التامة للأنظمة المالية الرأسمالية والاغترار بفاعليتها وجدوى ابتكاراتها, هذا إلى جانب عدم التطبيق الكامل لأنظمة تلك الأسواق أو لعدم جاهزية المجتمعات المحلية للتعامل مع هذا النوع من الاستثمار, ولكن مع التراجعات المتوالية في المنطقة خصوصا الأخيرة لتتفوق بالتراجع على الأسواق العالمية التي ما زالت غالبية اقتصادياتها تظهر بيانات سلبية كبيرة جدا في جميع الأصعدة الاقتصاد المالي والإنتاجي وعلى رأسها النتائج السلبية والمخيبة للآمال في الشركات والتوقع بمزيد من الإفلاس, وعلى النقيض من ذلك فإن الاقتصاديات المحلية متينة وأرباح الشركات جيدة. وفي الفترة الماضية رغبت دول المنطقة في توسعة قاعدة الملكية وتوزيع الثروة فباعت العديد من القطاعات العامة عبر اكتتابات متوالية, لكن نقص رأس المال المعلوماتي في الجانبين في موظفي الائتمان والمستثمرين, أي إن المعرفة المفقودة أدت إلى غياب الثقة بالقطاع الخاص المصرفي, ولم تتوفر آلية دقيقة لتنظيم الاستثمار.
فإذا كانت المشكلة في أمريكا عالمية, فلا يزال الوضع في منطقتنا إلى حد ما تغلب عليه سمة المحلي والإقليمي, لكن يغيب أهم عامل في المنطقة وهم المستثمرون المؤسسون, وإن الكثير من المستثمرين يدخلون في الاكتتابات الأولية فقط من أجل بيعها بعد إدراجها في السوق بسبب أن عدد الأسهم قليلة لا تسمن ولا تغني من جوع وقد تكون مربكة لحركة السوق أكثر من فائدتها.
كما أن أي استثمار يبدو في صورة لعبة من ألعاب الحظ فإن الشريعة الإسلامية تحرمه, فخيارات الأسهم المكشوفة اقتراض أسهم مقابل رسم قليل ثم بيعها والهدف اختيار الأسهم التي سوف تهبط سعرها ويستفيد البائع على المكشوف من فرق السعر وهي غير مصرح التعامل مع هذا النوع من الاستثمار في أسواق المنطقة, ولكن يستخدمها المستثمر الأجنبي بطرق غير مباشرة, أو استثمار قائم على الدين نتيجة تسهيلات كبيرة تقدمها البنوك وتقوم بتسييل المحافظ عند انخفاض أسعار الأسهم لتغطية البنوك مراكزها المالية وتترك المستثمر سنوات يسدد تلك التسهيلات المقدمة له في شكل قروض غير مغطاة بضمانات, والضمانة الوحيدة ألا يبيع تلك الأسهم إلا عن طريق البنك وكان البنك هو الذي يستثمر نيابة عن المستثمرين فإذا ما ربحت الأسواق استفادت البنوك من الفوائد على القروض بأي صفة كانت موافقة للشريعة الإسلامية أم غير ذلك وإن خسرت الأسواق ضمنت البنوك أصولها وتحمل المستثمر بمفرده الخسائر.
لذلك اقترح مجلس الشورى على مؤسسة النقد منع البنوك من تسييل المحافظ عند انخفاض أسعار الأسهم كي تعيد البنوك التفكير في تحجيم تقديم التسهيلات الضخمة, والبنوك هنا تستثمر جهل المستثمرين بأساسيات الاستثمار وفي الوقت نفسه جشع البعض خصوصا وأنهم لا يمتلكون أموالا يغطون بها خسائرهم عند انخفاض الأسعار, بل إنهم يستخدمون وقودا للمضاربين.
وحتى المستثمر الصغير الذي يمتلك أموالا فإنه فقد الثقة في شركات الوساطة بعدما تلقى الدرس الصعب في شباط 2006 عندما سيلت البنوك المحافظ لأنها كانت تقوم بدور المقرض والوسيط في آن واحد. والآن خسرت دبي منذ بداية العام بنسبة 62 بالمئة وكذلك السوق السعودية بنسبة 50 بالمئة وكذلك الكويت وقطر وعمان بنسب أقل وكانت البحرين أقلها. فالإسلام يخالف الرأسمالية التي تسوق للافتتان الدائم بالاستهلاك دائم التزايد على أنه أساس ازدهار الرأسمالية. فالجميع في الرأسمالية يقترض المال من أجل الإنفاق والاستهلاك والاستثمار, بينما الإسلام يعلم المؤمنين الاعتدال في الاستهلاك والتوقف عن السعي وراء فكرة الاستهلاك غير المحدود بناء على الاستدانة كلوا واشربوا ولا تسرفوا وما أكثر ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستعيذ من المغرم فإذا الرجل غرم حدث فكذب ووعد فأخلف فلا يستدين إلا لضرورة وحاجة.
فالإسلام ينتشل الغارمين في الديون قبل إغراقهم وإفلاسهم ولكن لمن اقترض لحاجة وليس للاستثمار في سوق الأسهم وهو أحد مصارف الزكاة وينفرهم أن يموتوا وعليهم دين فكيف بفئات عريضة من الشعب تصبح غارمة نتيجة إتباع سلوكيات النموذج الغربي المستورد البعيدة عن تعاليم الشريعة الإسلامية.
فالغرب تبنى منذ بداية القرن الماضي الائتمان السهل والملكية العامة للأسهم مع المزيد من ملكية البيوت التي أسهمت في أضعاف الروابط التقليدية, بينما حاول ترومان في الخمسينيات ترسيخ مجتمع الملكية من خلال ترسيخ حصة العمال في الشركات التي يعملون بها وكانت صفقة عادلة لتحقيق مجتمع الملكية إزاء تجار رأس المال, بينما في الوقت الحاضر أصبحت العدالة غائبة بسبب الفوضى الحالية لأن الحكومة الأمريكية أسست فاني ماي وفريدي ماك بصفته بنكا مدعوما من قبل الحكومة ولم يكن القائمون عليه بالحذر ذاته التي كانت عليه الشركات الأخرى, فأسهموا في تضخيم الفقاعة, كما دفع السياسيون باتجاه فكرة أن الجميع يجب أن يمتلك بيتا واتهمت بعض البنوك التي تتخلى عن الإقراض بانحيازهم نحو الفقراء.
كما إن عمل الوسيط مارس أساليب جريئة إلى حد القيام بمغامرات غير محسوبة ولم يواجهوا قوانين المديونية الحازمة التي كانت تطبقها البنوك التجارية الأمريكية وكانت البنوك مجبرة على أن تشكل الأسهم الملموسة نسبة 5 في المئة أو أكثر من 30 ضعفا من قيمة الموجودات الأمر الذي زاد من أرباحهم بشكل هائل.
ويقدر بعض المحللين العاملين في صناعة المال أن البنوك الاستثمارية لو أرادت تخفيض نسبة المديونية من 30 ضعفا إلى 20 ضعفا فإن هذا يستلزم بيع موجودات بقيمة ستة آلاف مليار دولار, وهذا لا يشمل تخفيف مديونية صناديق التحوط التي تبلغ قيمتها نحو تريليوني دولار وتشكل المراهنة على ما لا يملك من الأسهم أكثر التعاملات شيوعا في استراتيجيات صناديق التحوط, حيث تشكل تعاملات الأسهم من شراء ومراهنة نحو 40 بالمئة من أموال صناديق التحوط وهو ما حدا بالجهات الرقابية في الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرها من دول أخرى تجميد المراهنات على ما لا يملك من الأسهم على المدى القصير.
فالأسهم السعودية ارتفعت قبل انهيار شباط عام 2006 إلى مكرر ربحية 42 مرة وفي أسهم أحيانا خاسرة, بينما نجد الأسعار الآن انهارت في بعضها إلى أقل من قيمتها الاسمية أو من القيمة بعد إضافة علاوة الإصدار, فأسهم الصلب الأمريكية انخفضت نحو 90 بالمئة وأسهم إعمار تقترب من أربعة دراهم ما يحتم علينا إعادة التفكير أن نقدم نموذجا جديدا في ظل الأزمة المالية العالمية لتصحيح النموذج الرأسمالي المطبق حاليا, لأن المساهم يفترض أن تكون له حصة استثمارية في الشركة لكن عندما لا يبقى السهم إلا عدة أيام فماذا نطلق عليه?.
فالاستثمار الحقيقي أن يسهم المستثمر في الحصول على حصة في الشركة ليحصل على عوائد من أرباح الشركة ويمكن بيع حصته ولكن وفق شروط ومدد وضوابط محددة كي تحل محل المضاربة البعيدة عن الاستثمار والمتسببة في التضخم المالي على حساب الاقتصاد الإنتاجي الحقيقي فلا بد أن نستغل الفرصة الآن لنسهم في تأسيس نظام اقتصاد جديد وسليم خصوصا وأن العالم متعطش إلى الخروج من الأزمة التي ألمت به, ولا يريد أن تتكرر مرة أخرى وهو الآن يريد الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي وسيتنازل عن مطالب تكديس الثروة التي عادة ما تكون لصالح قلة من البشر, وأدرك المواطن الغربي كذلك أنه هو الضحية لكن يمكن أن نواجه معارضة عنيفة من المستثمرين الماليين الذين تعودوا على الأرقام الفلكية.0
* نقلا عن الاسواق نت.
(1/1/2009)
الواقع أننا لا نقصد هنا في هذا المقال نفي كل صفة إيجابية في الرأسمالية التي فرضت نموذجها على المعمورة كلها تبعا لاستحقاق حضارتها المتفوقة, ولكن نجاحاتها ينبغي ألا تنسينا نواقصها وتطرفها.
فعبقرية الرأسمالية غير مشكوك بها, لكن الرأسماليين الأوائل أمثال هنري فورد وسواه كانوا أفضل بكثير من الرأسماليين المعاصرين.
والرأسماليون الحاليون يضحكون حينما تذكر لهم أرقاما بدائية ولا يؤمنون إلا بالأرقام الفلكية وهنا مكمن الخلل الذي يكمن في الأصولية المادية الفاحشة للرأسمالية, لذلك نجد أن العمولات في أمريكا حققت ما بين عامي 2003 و2007 نحو ألفي مليار دولار.
ولقد توسع الصحابة في مجال المعاملات المالية عندما اتسعت دولتهم وبدا منهجهم واضحا وجليا عندما احتفظوا ببعض القوانين التي كانت سارية في البلدان التي افتتحوها, مع استبعاد الذي لا يوافق الشريعة الإسلامية من قوانين, وكان منهجهم في استنباط الأحكام يكمن في أن فريقا منهم التزم في الحكم بحرفية النص الشرعي من قران وسنة من دون النظر في مقاصده وكان أبرزهم عبد الله بن عمر وأبو هريرة وأبو ذر الغفاري, وفريق آخر أدرك أن لكل حكم شرعه الخالق مقصد وإن الحكم لا يزال صالحا ما دام المقصد الذي قصده المشرع منه, وهذا الفريق يستعمل عقله في معرفة قصد المشرع منه ليكون ذلك مادة ثرية للانطلاق منه إلى غيره عن طريق القياس عليه, ومن هذا الفريق علي بن أبي طالب وعائشة زوج الرسول صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن مسعود وأيضا عبد الله بن عمر في بعض المسائل, أي أنه كان يجمع بين المنهجين لذلك قال سليمان بن يسار سمعت من ابن عباس يقول عجبا لابن عمر ورده الناس ألا ينظر فيما يشك فيه, فإن مضت به سنة بها وإلا قال برأيه.
وجميع هذه المدارس تنبع من مدرسة النبوة وكل منها برع في جانب من الجوانب لذلك نجد الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: خذوا القرآن من أربعة: عبد الله وسالم ومعاذ وأبي بن كعب.
ولا تزال بعض التطبيقات الإسلامية اليوم تخالف التطبيقات المقابلة لها في الرأسمالية الغربية كطبيعة التمويل الإسلامي الذي يقوم على المشاركة في ملكية الأصول جنب المؤسسات المالية التضخم في التقييمات وبالتالي بقاء الأصول ضمن قيمتها, كما أن الدين ينسب إلى الموجودات وليس إلى القيمة السوقية, وإن المعاملات بين البنوك الإسلامية تعتمد على مرابحات السلع كي تؤدي إلى خفض التكلفة القانونية للمتعاملين, وتحقق وفورات كبيرة في التكاليف والموارد, وتعتمد اتفاقية لإعادة الشراء وفقا للمفهوم الشرعي الإسلامي التي يمكن أن توفر السيولة اللازمة عن طريق الأوراق المالية وهي بمثابة بيع مؤقت كي تتجنب الربا, واستعاضت عن سندات القرض الربوي بصكوك الإجارة يمكن أن ينتهي بالتملك.
ولكن الاقتصاد الرأسمالي بعدما أعلن الرئيس السابق ريتشارد نيكسون عام 1971 فك الارتباط بنظام الصرف الثابت ومنذ ذلك الحين بدأ عصر اقتصاد مالي جديد وبعدما كان الاقتصاد المالي خادما للاقتصاد المنتج أصبح العكس إلى أن تضخم الاقتصاد المالي أكبر من 40 مرة من الاقتصاد الحقيقي في السبعينيات, وزادت طباعة الدولار بقرار سياسي ذاتي بين عامي 1950 و1970 بنسبة 55 بالمئة عما كان عليه, وبين عامي 1971 و2000 زاد بنسبة 2000 بالمئة ما نتج عنه تضخم في الاقتصاد المالي حتى إن بنك ليمان براذرز كانت قيمة أصوله 700 مليار دولار, ولكن عند شرائها كانت في حدود 60 مليار دولار.
وتقدر الرهونات العقارية ب¯ 14 تريليون دولار لكن المشتقات كانت أضعاف هذا الرقم حتى إن البعض يقدرها بنحو 665 تريليون دولار حتى وإن كان هذا الرقم مبالغا فيه ولكنه مؤشر على خطورة المشتقات المالية التي تسببت في تضخم الاقتصاد المالي مستفيدة من التدفقات المالية الخارجية التي تقدر بثلاثة مليارات دولار يوميا تأتي من الصين والخليج ودول أخرى من العالم, أي أن اقتصاد الولايات المتحدة أصبح طفيليا يعيش على التدفقات المالية التي تأتي إليه من الخارج في جانب القوة المالية في الداخل بسبب أن الموجودات المالية العالمية زادت من 12 ألف مليار دولار عام 1980 إلى 200 ألف مليار دولار عام ,2007 الأمر الذي يفوق كثيرا نمو الناتج المحلي الإجمالي أو توسع التجارة, كما وتبلغ قيمة أسواق الأسهم 149 تريليون دولار قبل حدوث الأزمة الحالية وهي ثلاثة أضعاف الناتج العالمي البالغ 49 تريليون دولار.
وقد باعت شركة المجموعة الدولية الأمريكية للتأمين AIG من مبادلات العجز الائتماني وبوالص التامين خارج الولايات المتحدة أكثر مما باعت داخلها, بينما كانت عمليات الصيرفة الإسلامية تركز بقوة على الأصول الأولية وليس فقط على تداول المال لقاء التنازل عن التدفق النقدي لأنه ينبغي على النظام المالي وفق الشريعة الإسلامية الانخراط في تمويل النشاطات الاقتصادية الحقيقية التي ينتج عنها سلع وعوائد حقيقية, لذا يسمح التوريق وفق الشريعة الإسلامية للأوراق المالية المستخدمة أن تكون مستقلة بذاتها أو أن تكون منافسات مركبة للأصول الأولية وما تنتجه من عوائد لأن التوريق حسب الشريعة الإسلامية يمنع أن يتحول التوريق إلى مجرد عملية متاجرة بالديون التي تدعى الابتكار المالي.
وفي قراءة سريعة لأسواق الأسهم في المنطقة النموذج المستورد من الرأسمالية الغربية وتطبيقه من دون النظر في مدى موافقته لأحكام وضوابط الشريعة الإسلامية بسبب التبعية التامة للأنظمة المالية الرأسمالية والاغترار بفاعليتها وجدوى ابتكاراتها, هذا إلى جانب عدم التطبيق الكامل لأنظمة تلك الأسواق أو لعدم جاهزية المجتمعات المحلية للتعامل مع هذا النوع من الاستثمار, ولكن مع التراجعات المتوالية في المنطقة خصوصا الأخيرة لتتفوق بالتراجع على الأسواق العالمية التي ما زالت غالبية اقتصادياتها تظهر بيانات سلبية كبيرة جدا في جميع الأصعدة الاقتصاد المالي والإنتاجي وعلى رأسها النتائج السلبية والمخيبة للآمال في الشركات والتوقع بمزيد من الإفلاس, وعلى النقيض من ذلك فإن الاقتصاديات المحلية متينة وأرباح الشركات جيدة. وفي الفترة الماضية رغبت دول المنطقة في توسعة قاعدة الملكية وتوزيع الثروة فباعت العديد من القطاعات العامة عبر اكتتابات متوالية, لكن نقص رأس المال المعلوماتي في الجانبين في موظفي الائتمان والمستثمرين, أي إن المعرفة المفقودة أدت إلى غياب الثقة بالقطاع الخاص المصرفي, ولم تتوفر آلية دقيقة لتنظيم الاستثمار.
فإذا كانت المشكلة في أمريكا عالمية, فلا يزال الوضع في منطقتنا إلى حد ما تغلب عليه سمة المحلي والإقليمي, لكن يغيب أهم عامل في المنطقة وهم المستثمرون المؤسسون, وإن الكثير من المستثمرين يدخلون في الاكتتابات الأولية فقط من أجل بيعها بعد إدراجها في السوق بسبب أن عدد الأسهم قليلة لا تسمن ولا تغني من جوع وقد تكون مربكة لحركة السوق أكثر من فائدتها.
كما أن أي استثمار يبدو في صورة لعبة من ألعاب الحظ فإن الشريعة الإسلامية تحرمه, فخيارات الأسهم المكشوفة اقتراض أسهم مقابل رسم قليل ثم بيعها والهدف اختيار الأسهم التي سوف تهبط سعرها ويستفيد البائع على المكشوف من فرق السعر وهي غير مصرح التعامل مع هذا النوع من الاستثمار في أسواق المنطقة, ولكن يستخدمها المستثمر الأجنبي بطرق غير مباشرة, أو استثمار قائم على الدين نتيجة تسهيلات كبيرة تقدمها البنوك وتقوم بتسييل المحافظ عند انخفاض أسعار الأسهم لتغطية البنوك مراكزها المالية وتترك المستثمر سنوات يسدد تلك التسهيلات المقدمة له في شكل قروض غير مغطاة بضمانات, والضمانة الوحيدة ألا يبيع تلك الأسهم إلا عن طريق البنك وكان البنك هو الذي يستثمر نيابة عن المستثمرين فإذا ما ربحت الأسواق استفادت البنوك من الفوائد على القروض بأي صفة كانت موافقة للشريعة الإسلامية أم غير ذلك وإن خسرت الأسواق ضمنت البنوك أصولها وتحمل المستثمر بمفرده الخسائر.
لذلك اقترح مجلس الشورى على مؤسسة النقد منع البنوك من تسييل المحافظ عند انخفاض أسعار الأسهم كي تعيد البنوك التفكير في تحجيم تقديم التسهيلات الضخمة, والبنوك هنا تستثمر جهل المستثمرين بأساسيات الاستثمار وفي الوقت نفسه جشع البعض خصوصا وأنهم لا يمتلكون أموالا يغطون بها خسائرهم عند انخفاض الأسعار, بل إنهم يستخدمون وقودا للمضاربين.
وحتى المستثمر الصغير الذي يمتلك أموالا فإنه فقد الثقة في شركات الوساطة بعدما تلقى الدرس الصعب في شباط 2006 عندما سيلت البنوك المحافظ لأنها كانت تقوم بدور المقرض والوسيط في آن واحد. والآن خسرت دبي منذ بداية العام بنسبة 62 بالمئة وكذلك السوق السعودية بنسبة 50 بالمئة وكذلك الكويت وقطر وعمان بنسب أقل وكانت البحرين أقلها. فالإسلام يخالف الرأسمالية التي تسوق للافتتان الدائم بالاستهلاك دائم التزايد على أنه أساس ازدهار الرأسمالية. فالجميع في الرأسمالية يقترض المال من أجل الإنفاق والاستهلاك والاستثمار, بينما الإسلام يعلم المؤمنين الاعتدال في الاستهلاك والتوقف عن السعي وراء فكرة الاستهلاك غير المحدود بناء على الاستدانة كلوا واشربوا ولا تسرفوا وما أكثر ما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستعيذ من المغرم فإذا الرجل غرم حدث فكذب ووعد فأخلف فلا يستدين إلا لضرورة وحاجة.
فالإسلام ينتشل الغارمين في الديون قبل إغراقهم وإفلاسهم ولكن لمن اقترض لحاجة وليس للاستثمار في سوق الأسهم وهو أحد مصارف الزكاة وينفرهم أن يموتوا وعليهم دين فكيف بفئات عريضة من الشعب تصبح غارمة نتيجة إتباع سلوكيات النموذج الغربي المستورد البعيدة عن تعاليم الشريعة الإسلامية.
فالغرب تبنى منذ بداية القرن الماضي الائتمان السهل والملكية العامة للأسهم مع المزيد من ملكية البيوت التي أسهمت في أضعاف الروابط التقليدية, بينما حاول ترومان في الخمسينيات ترسيخ مجتمع الملكية من خلال ترسيخ حصة العمال في الشركات التي يعملون بها وكانت صفقة عادلة لتحقيق مجتمع الملكية إزاء تجار رأس المال, بينما في الوقت الحاضر أصبحت العدالة غائبة بسبب الفوضى الحالية لأن الحكومة الأمريكية أسست فاني ماي وفريدي ماك بصفته بنكا مدعوما من قبل الحكومة ولم يكن القائمون عليه بالحذر ذاته التي كانت عليه الشركات الأخرى, فأسهموا في تضخيم الفقاعة, كما دفع السياسيون باتجاه فكرة أن الجميع يجب أن يمتلك بيتا واتهمت بعض البنوك التي تتخلى عن الإقراض بانحيازهم نحو الفقراء.
كما إن عمل الوسيط مارس أساليب جريئة إلى حد القيام بمغامرات غير محسوبة ولم يواجهوا قوانين المديونية الحازمة التي كانت تطبقها البنوك التجارية الأمريكية وكانت البنوك مجبرة على أن تشكل الأسهم الملموسة نسبة 5 في المئة أو أكثر من 30 ضعفا من قيمة الموجودات الأمر الذي زاد من أرباحهم بشكل هائل.
ويقدر بعض المحللين العاملين في صناعة المال أن البنوك الاستثمارية لو أرادت تخفيض نسبة المديونية من 30 ضعفا إلى 20 ضعفا فإن هذا يستلزم بيع موجودات بقيمة ستة آلاف مليار دولار, وهذا لا يشمل تخفيف مديونية صناديق التحوط التي تبلغ قيمتها نحو تريليوني دولار وتشكل المراهنة على ما لا يملك من الأسهم أكثر التعاملات شيوعا في استراتيجيات صناديق التحوط, حيث تشكل تعاملات الأسهم من شراء ومراهنة نحو 40 بالمئة من أموال صناديق التحوط وهو ما حدا بالجهات الرقابية في الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرها من دول أخرى تجميد المراهنات على ما لا يملك من الأسهم على المدى القصير.
فالأسهم السعودية ارتفعت قبل انهيار شباط عام 2006 إلى مكرر ربحية 42 مرة وفي أسهم أحيانا خاسرة, بينما نجد الأسعار الآن انهارت في بعضها إلى أقل من قيمتها الاسمية أو من القيمة بعد إضافة علاوة الإصدار, فأسهم الصلب الأمريكية انخفضت نحو 90 بالمئة وأسهم إعمار تقترب من أربعة دراهم ما يحتم علينا إعادة التفكير أن نقدم نموذجا جديدا في ظل الأزمة المالية العالمية لتصحيح النموذج الرأسمالي المطبق حاليا, لأن المساهم يفترض أن تكون له حصة استثمارية في الشركة لكن عندما لا يبقى السهم إلا عدة أيام فماذا نطلق عليه?.
فالاستثمار الحقيقي أن يسهم المستثمر في الحصول على حصة في الشركة ليحصل على عوائد من أرباح الشركة ويمكن بيع حصته ولكن وفق شروط ومدد وضوابط محددة كي تحل محل المضاربة البعيدة عن الاستثمار والمتسببة في التضخم المالي على حساب الاقتصاد الإنتاجي الحقيقي فلا بد أن نستغل الفرصة الآن لنسهم في تأسيس نظام اقتصاد جديد وسليم خصوصا وأن العالم متعطش إلى الخروج من الأزمة التي ألمت به, ولا يريد أن تتكرر مرة أخرى وهو الآن يريد الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي وسيتنازل عن مطالب تكديس الثروة التي عادة ما تكون لصالح قلة من البشر, وأدرك المواطن الغربي كذلك أنه هو الضحية لكن يمكن أن نواجه معارضة عنيفة من المستثمرين الماليين الذين تعودوا على الأرقام الفلكية.0
* نقلا عن الاسواق نت.