لن تحقق إسرائيل أهدافها
تعود إسرائيل، المؤمنة إيمانا لا يتزعزع بفاعلية جيشها، لتقترف في غزة اليوم نفس الأخطاء التي اقترفتها في لبنان سنة 2006. فقد ظنت أن قصف اربعين هدفا أمنيا فلسطينيا في القطاع المحاصر يحقق آغراضها. وعندما تبين لها بأن استهداف منتسبي حماس في مراكزهم الأمنية لا يكفي، ارتدت تستهدف المدنيين، نساء وأطفالا وشيوخا في منازلهم التي لازموها معتقدين، خطأ وبعد فوات الوقت، أنهم غير محسوبين ضمن الأهداف الاستراتيجية للجيش الإسرائيلي المعروف ببطولاته في قتل الأطفال. ولما لم تحقق شيئا غير القتل عاودت قصف نفس الأهداف الأمنية والمدنية مرة أخرى وثالثة تماما كما حصل في لبنان.
وكما حصل في لبنان حين رفضت الإدارة الأمريكية مطالبة إسرائيل بوقف إطلاق النار قبل أن يقوم في المنطقة ما سمته بالشرق الأوسط الجديد، نرى الإدارة نفسها تعلن اليوم رفضها مطالبة اسرائيل وقف إطلاق النار على مدنيي غزة قبل أن توقف حماس إطلاق صواريخها؛ لذلك يقوم الرئيس العتيد جورج بوش بالاتصال لهذه الغاية مع الرئيسين الفلسطيني والمصري للحديث حول الموضوع كأن الذي يقتل أطفال غزة ومدنييها هم فلسطينيو السلطة أو جيش مصر وسلاحها الجوي. وعلى الرغم من أن إسرائيل استطاعت بحملتيها الدبلوماسية والإعلامية الدوليتين أن تقنع العالم بأن عملياتها في غزة إنما كانت ضمن مسؤولياتها في حماية مواطنيها من صواريخ حماس، إلا أن نجاحها في ذلك مرهون بقدرتها على تنفيذ خططها في زمن قصير محدد، وإلا فإن دماء أطفال غزة ونسائها كفيلة بإخراج المحايدين عن صمتهم وإثارة غضب دولي على بشاعة سياساتها وعنصريتها ووحشيتها، وهو غضب عام متراكم يكاد يصل اليوم إلى كتلته الحرجة التي لا تستطيع وصولية بعض السياسيين في دول القرار في أوروبا وأمريكا منع انفجارها أو تزويرها.
ألا يرى قادة إسرائيل ذلك أم أنهم أغبياء فعلا، كما يرى الكثيرون؟ لقد قيل سابقا أن الإسرائيليين معروفون بالذكاء حين كانوا أقليات مضطهدة لا وطن لهم سوى التحصيل العلمي والتفوق على أقرانهم المطمئنين من المواطنين الأصليين حولهم، كما قال وايزمن رئيس دولتهم ذات يوم، ولكنهم حين أصبحوا مواطنين مطمئنين في دولة ككل الناس، فقدوا الدوافع للتفوق الشخصي.
ثم استبدلوا الرغبة في التفوق بالغطرسة وقصر النظر ظانين أن إنجازهم السياسي والعسكري في قيام دولة إسرائيل والانتصار على العرب إنما كان بفعل تفوقهم العرقي أو ذكائهم الجيني الموروث، وهو أبعد ما يكون عن الحقيقة. الحقيقة أنهم لم يعودوا يرون وصاروا، في تيههم الجديد، يعيشون في الأوهام والماضي أكثر مما يمكنهم من التكيف مع ظروف الحاضر. وقد ساعد في تضليلهم أكثر تخلف العرب الحضاري المؤقت وضعفهم وجهلهم السياسي وتفرقهم وفردانيتهم.
قد يستطيع الإسرائيليون لبعض الوقت طويلا أو قصيرا الاستمرار في قتل الأطفال الفلسطينيين ما شاءت لهم القوة، ولكنهم سيتجرعون ويلات الثأر ذات يوم قريب. فالتاريخ لا يقاس بالسنوات ولا العقود. ولن ينفعهم يومها تفوق عسكري أو جوي.
يقال أنهم يستهدفون من عملياتهم في غزة خلق أزمة دولية تربك أية جهود سلمية يقوم بها تحالف دولي ممكن لإقامة سلام في المنطقة قريبا. يظن القائلون بهذا أن غزة ليست سوى بداية، وأن إسرائيل قد تتوجه غدا إلى لبنان وربما سوريا أو حتى إيران؛ وأنها تريد، قبل ذلك، تعميق الشرخ الداخلي في فلسطين بين حماس وفتح وتقسيم العرب إلى معسكرات متناحرة عل ذلك يحبط التحالف الدولي، فتنجو إسرائيل من الدعوة لإقامة سلام لسنوات أربع قادمة ريثما يستطيع المحافظون الجدد في الولايات المتحدة العودة لمواقع صنع القرار الذي يخسرونه اليوم.
ولو كان هذا هو هدف إسرائيل الاستراتيجي، فإن تصرفها في غزة يثبت القول بأن قادتها مجموعة من الأغبياء. لقد أثارت مأساة غزة غضبا أعمق وأشمل من أن تغرقه الخلافات بين حماس وفتح، أو أية خلافات عربية مهما كانت عميقة وخطيرة، كما خلق شعورا دوليا عاما في أن سياساتها تشكل خطرا على الأمن والسلم العالميين.
من أجل هذا يتنادى قادة العالم في الشرق والغرب لوقف إطلاق النار من جانبها أولا. أما الغزيون فلم يعد يهمهم الأمر. لم يعد لديهم ما يخسرونه، بل صاروا يرفضون العودة للعيش في ظروف ما قبل الهجوم.
لن تحقق إسرائيل أهدافها. لقد أتعبت العالم فتعب منها وتعب منها العرب، بشكل أخص ،على الرغم من ضعفهم أو بسببه.
فالح الطويل
تعود إسرائيل، المؤمنة إيمانا لا يتزعزع بفاعلية جيشها، لتقترف في غزة اليوم نفس الأخطاء التي اقترفتها في لبنان سنة 2006. فقد ظنت أن قصف اربعين هدفا أمنيا فلسطينيا في القطاع المحاصر يحقق آغراضها. وعندما تبين لها بأن استهداف منتسبي حماس في مراكزهم الأمنية لا يكفي، ارتدت تستهدف المدنيين، نساء وأطفالا وشيوخا في منازلهم التي لازموها معتقدين، خطأ وبعد فوات الوقت، أنهم غير محسوبين ضمن الأهداف الاستراتيجية للجيش الإسرائيلي المعروف ببطولاته في قتل الأطفال. ولما لم تحقق شيئا غير القتل عاودت قصف نفس الأهداف الأمنية والمدنية مرة أخرى وثالثة تماما كما حصل في لبنان.
وكما حصل في لبنان حين رفضت الإدارة الأمريكية مطالبة إسرائيل بوقف إطلاق النار قبل أن يقوم في المنطقة ما سمته بالشرق الأوسط الجديد، نرى الإدارة نفسها تعلن اليوم رفضها مطالبة اسرائيل وقف إطلاق النار على مدنيي غزة قبل أن توقف حماس إطلاق صواريخها؛ لذلك يقوم الرئيس العتيد جورج بوش بالاتصال لهذه الغاية مع الرئيسين الفلسطيني والمصري للحديث حول الموضوع كأن الذي يقتل أطفال غزة ومدنييها هم فلسطينيو السلطة أو جيش مصر وسلاحها الجوي. وعلى الرغم من أن إسرائيل استطاعت بحملتيها الدبلوماسية والإعلامية الدوليتين أن تقنع العالم بأن عملياتها في غزة إنما كانت ضمن مسؤولياتها في حماية مواطنيها من صواريخ حماس، إلا أن نجاحها في ذلك مرهون بقدرتها على تنفيذ خططها في زمن قصير محدد، وإلا فإن دماء أطفال غزة ونسائها كفيلة بإخراج المحايدين عن صمتهم وإثارة غضب دولي على بشاعة سياساتها وعنصريتها ووحشيتها، وهو غضب عام متراكم يكاد يصل اليوم إلى كتلته الحرجة التي لا تستطيع وصولية بعض السياسيين في دول القرار في أوروبا وأمريكا منع انفجارها أو تزويرها.
ألا يرى قادة إسرائيل ذلك أم أنهم أغبياء فعلا، كما يرى الكثيرون؟ لقد قيل سابقا أن الإسرائيليين معروفون بالذكاء حين كانوا أقليات مضطهدة لا وطن لهم سوى التحصيل العلمي والتفوق على أقرانهم المطمئنين من المواطنين الأصليين حولهم، كما قال وايزمن رئيس دولتهم ذات يوم، ولكنهم حين أصبحوا مواطنين مطمئنين في دولة ككل الناس، فقدوا الدوافع للتفوق الشخصي.
ثم استبدلوا الرغبة في التفوق بالغطرسة وقصر النظر ظانين أن إنجازهم السياسي والعسكري في قيام دولة إسرائيل والانتصار على العرب إنما كان بفعل تفوقهم العرقي أو ذكائهم الجيني الموروث، وهو أبعد ما يكون عن الحقيقة. الحقيقة أنهم لم يعودوا يرون وصاروا، في تيههم الجديد، يعيشون في الأوهام والماضي أكثر مما يمكنهم من التكيف مع ظروف الحاضر. وقد ساعد في تضليلهم أكثر تخلف العرب الحضاري المؤقت وضعفهم وجهلهم السياسي وتفرقهم وفردانيتهم.
قد يستطيع الإسرائيليون لبعض الوقت طويلا أو قصيرا الاستمرار في قتل الأطفال الفلسطينيين ما شاءت لهم القوة، ولكنهم سيتجرعون ويلات الثأر ذات يوم قريب. فالتاريخ لا يقاس بالسنوات ولا العقود. ولن ينفعهم يومها تفوق عسكري أو جوي.
يقال أنهم يستهدفون من عملياتهم في غزة خلق أزمة دولية تربك أية جهود سلمية يقوم بها تحالف دولي ممكن لإقامة سلام في المنطقة قريبا. يظن القائلون بهذا أن غزة ليست سوى بداية، وأن إسرائيل قد تتوجه غدا إلى لبنان وربما سوريا أو حتى إيران؛ وأنها تريد، قبل ذلك، تعميق الشرخ الداخلي في فلسطين بين حماس وفتح وتقسيم العرب إلى معسكرات متناحرة عل ذلك يحبط التحالف الدولي، فتنجو إسرائيل من الدعوة لإقامة سلام لسنوات أربع قادمة ريثما يستطيع المحافظون الجدد في الولايات المتحدة العودة لمواقع صنع القرار الذي يخسرونه اليوم.
ولو كان هذا هو هدف إسرائيل الاستراتيجي، فإن تصرفها في غزة يثبت القول بأن قادتها مجموعة من الأغبياء. لقد أثارت مأساة غزة غضبا أعمق وأشمل من أن تغرقه الخلافات بين حماس وفتح، أو أية خلافات عربية مهما كانت عميقة وخطيرة، كما خلق شعورا دوليا عاما في أن سياساتها تشكل خطرا على الأمن والسلم العالميين.
من أجل هذا يتنادى قادة العالم في الشرق والغرب لوقف إطلاق النار من جانبها أولا. أما الغزيون فلم يعد يهمهم الأمر. لم يعد لديهم ما يخسرونه، بل صاروا يرفضون العودة للعيش في ظروف ما قبل الهجوم.
لن تحقق إسرائيل أهدافها. لقد أتعبت العالم فتعب منها وتعب منها العرب، بشكل أخص ،على الرغم من ضعفهم أو بسببه.
فالح الطويل